فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولأن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليه.
وعوّل علماؤنا على حديث عمر الثابت خرّجه البخاري أنه قرأ آية سجدة على المِنبر فنزل فسجد وسجد الناس معه، ثم قرأها في الجمعة الأُخرى فتهيأ الناس للسجود، فقال: «أيها الناس على رِسْلكم! إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء» وذلك بمحضر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من الأنصار والمهاجرين.
فلم ينكر عليه أحد فثبت الإجماع به في ذلك.
وأما قوله: «أُمِر ابن آدم بالسجود» فإخبار عن السجود الواجب.
ومواظبة النبيّ صلى الله عليه وسلم تدل على الاستحباب! والله أعلم.
الرابعة ولا خلاف في أن سجود القرآن يحتاج إلى ما تحتاج إليه الصلاة من طهارة حَدَث ونَجس ونيةٍ واستقبالِ قبلة ووقت.
إلا ما ذكر البخاري عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير طهارة.
وذكره ابن المنذر عن الشعبيّ.
وعلى قول الجمهور هل يحتاج إلى تحريم ورفع يدين عنده وتكبير وتسليم؟ اختلفوا في ذلك؛ فذهب الشافعيّ وأحمد وإسحاق إلى أنه يكبر ويرفع للتكبير لها.
وقد روى في الأثر عن ابن عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد كبّر، وكذلك إذا رفع كبّر.
ومشهور مذهب مالك أنه يكبر لها في الخفض والرفع في الصلاة.
واختلف عنه في التكبير لها في غير الصلاة؛ وبالتكبير لذلك قال عامّة الفقهاء، ولا سلام لها عند الجمهور.
وذهب جماعة من السلف وإسحاق إلى أنه يسلم منها.
وعلى هذا المذهب يتحقق أن التكبير في أوّلها للإحرام.
وعلى قول من لا يسلم يكون للسجود فحسب.
والأوّل أولى؛ لقوله عليه السلام: «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» وهذه عبادة لها تكبير، فكان لها تحليل كصلاة الجنازة بل أولى، لأنها فعل وصلاة الجنازة قول.
وهذا اختيار ابن العربيّ.
الخامسة وأما وقته فقيل: يسجد في سائر الأوقات مطلقًا؛ لأنها صلاة لسبب.
وهو قول الشافعيّ وجماعة.
وقيل: ما لم يُسْفِر الصبح، أو ما لم تصفرّ الشمس بعد العصر.
وقيل: لا يسجد بعد الصبح ولا بعد العصر.
وقيل: يسجد بعد الصبح ولا يسجد بعد العصر.
وهذه الثلاثة الأقوال في مذهبنا.
وسبب الخلاف معارضة ما يقتضيه سبب قراءة السجدة من السجود المرتّب عليها لعموم النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح.
واختلافهم في المعنى الذي لأجله نُهي عن الصلاة في هذين الوقتين، والله أعلم.
السادسة فإذا سجد يقول في سجوده: «اللَّهُمَّ احطط عني بها وِزْرًا، واكتب لي بها أجرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا» رواه ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ ذكره ابن ماجه.
السابعة فإن قرأها في صلاة، فإن كان في نافلة سجد إن كان منفردًا أو في جماعة وأمن التخليط فيها.
وإن كان في جماعة لا يأمن ذلك فيها فالمنصوص جوازه.
وقيل: لا يسجد.
وأما في الفريضة فالمشهور عن مالك النّهيُ عنه فيها، سواء كانت صلاة سر أو جهر، جماعة أو فرادى.
وهو معلّل بكونها زيادة في أعداد سجود الفريضة.
وقيل: معلّل بخوف التخليط على الجماعة؛ وهذا أشبه.
وعلى هذا لا يمنع منه الفرادى ولا الجماعة التي يأمن فيها التخليط.
الثامنة روى البخاريّ عن أبي رافع قال: صلّيت مع أبي هريرة العَتَمة، فقرأ {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فسجد؛ فقلت: ما هذه؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه.
انفرد بإخراجه.
وفيه: «وقيل لعمران بن حُصين: الرجل يسمع السجدة ولم يجلس لها؟ قال: أرأيت لو قعد لها كأنه لا يوجبه عليه.
وقال سَلْمان: ما لهذا غدونا.
وقال عثمان: إنما السجدة على من استمعها.
وقال الزُّهريّ: لا يسجد إلا أن يكون طاهرًا، فإذا سجدت وأنت في حَضَر فاستقبل القبلة، فإن كنت راكبًا فلا عليك حيث كان وجهك.
وكان السائب لا يسجد لسجود القاص»
والله أعلم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {إن الذين عند ربك} يعني الملائكة المقربين لما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالذكر في حالة التضرع والخوف أخبر أن الملائكة الذين عنده مع علو مرتبتهم وشرفهم وعصمتهم {لا يستكبرون عن عبادته} وطاعته لأنهم عبيده خاضعون لعظمته وكبريائه: {ويسبحونه} يعني وينزهونه عن جميع النقائص ويقولون سبحان ربنا {وله يسجدون} لا لغيره.
فإن قلت: التسبيح والسجود داخلان في قوله تعالى: {لا يستكبرون عن عبادته} لأنهما من جملة العبادة فكيف أفردهما بالذكر؟
قلت: أخبر الله عن حال الملائكة أنهم خاضعون لعظمته لا يستكبرون عن عبادته ثم أخبر عن صفة عبادتهم أنهم يسبحونه وله يسجدون ولما كانت الأعمال تنقسم إلى قسمين أعمال القلوب وأعمال الجوارح وأعمال القلوب هي تنزيه الله عن كل سوء وهو الاعتقاد القلبي عبر عنه بقوله: {ويسبحونه}.
وعبر عن أعمال الجوارح بقوله: {وله يسجدون} وهذه السجدة من عزائم سجود القرآن فيستحب للقارئ والمستمع أن يسجد عند قوله: {وله يسجدون} ليوافق الملائكة المقربين في عباداتهم ق عن عبد الله بن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعًا لمكان جبهته في غير وقت صلاة» م عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويلتا أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأرمت بالسجود فأبيت فلي النار» م عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلى رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة» والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إن الذين عند ربك لا يستكبِرون عن عبادته ويسبّحونه وله يسجدون}.
هم الملائكة عليهم السلام ومعنى العنديّة الزّلفى والقرب منه تعالى بالمكانة لا بالمكان وذلك لتوفّرهم على طاعته وابتغاء مرضاته ولما أمر تعالى بالذكر ورغب في المواعيظ عليه ذكر من شأنهم ذلك فأخبر عنهم بأخبار ثلاثة، الأول نفي: الاستكبار عن عبادته وذلك هو إظهار العبوديّة ونفي الاستكبار هو الموجب للطاعات كما أن الاستكبار هو الموجب للعصيان لأنّ المستكبر يرى لنفسه شفوفًا ومزية فيمنعه ذلك من الطاعة، الثاني: إثبات التسبيح منهم له تعالى وهو التنزيه والتطهير عن جميع ما لا يليق بذاته المقدّسة، والثالث: السجود له قيل: وتقديم المجرور يؤذن بالاختصاص أي لا يسجدون إلا له والذي يظهر أنه إنما قدم المجرور ليقع الفعل فاصلة فاخره لذلك ليناسب ما قبله من رؤوس الآي ولما كانت العبادة ناشئة عن انتفاء الاستكبار وكانت على قسمين عبادة قلبية وعبادة جسمانية ذكرهما، فالقلبية تنزيه الله تعالى عن كل سوء والجسمانية السجود وهو الحال التي يكون العبد فيها أقرب إلى الله تعالى وفي الحديث: «أطّت السماء وحقّ لها أن تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد» {وله يسجدون} هو مكان سجدة وقيل: سجود التلاوة أربع سجدات {ألم تنزيل} {وحم تنزيل} والنجم والعلق وذكر عن ابن عباس أنها عشر أسقط آخر الحج وص وثلاثًا في المفصل وروي عن مالك إحدى عشرة أسقط آخرة الحج وثلاث المفصل، وعن ابن وهب أربع عشرة أسقط ثانية الحجّ وهو قول أبي حنيفة والشافعي لكن أبو حنيفة أسقط ثانية الحج وأثبت ص وعكس الشافعي وعن ابن وهب أيضًا وابن حبيب خمس عشرة آخرها خاتمة العلق وعن بعض العلماء ست عشرة وزاد سجدة الحجر والجمهور على أنه ليس بواجب وقال أبو حنيفة هو واجب ولا خلاف في أن شرطه شرط الصلاة من طهارة خبث وحدث ونيّة واستقبال ووقت إلا ما روى البخاري عن ابن عمرو وابن المنكدر عن الشعبي أنه يسجد على غير طهارة وذهب الشافعي وأحمد وإسحاق إلى أنه يكبر ويرفع اليدين وقال مالك يكبر لها في الخفض، والرفع في الصلاة وأما في غير الصلاة فاختلف عنه ويسلّم عند الجمهور، وقال جماعة من السلف وإسحاق: لا يسلم ووقتها سائر الأوقات مطلقًا لأنها صلاة بسبب وهو قول الشافعي وجماعة، وقيل: ما لم يسفر ولم تصفرّ الشمس، وقيل: لا يسجد بعد الصبح ولا بعد العصر وقيل بعد الصبح لا بعد العصر، وثلاثة الأقوال هذه في مذهب مالك، وفي سنن ابن ماجه عن ابن عباس أنه عليه السلام: كان يقول في سجود التلاوة «اللهم احطط عني بها وزرًا واكتب لي بها أجرًا واجعلها لي عندك ذخرًا»، ومشهور مذهب مالك أنه لا يسجد في الفريضة سرًّا كانت أو جهرًا ومذهب أبي حنيفة أنه واجب على السامع قصد الاستماع أوّلًا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّ الذين عِندَ رَبّكَ}.
وهم الملائكةُ عليهم السلام ومعنى كونِهم عنده سبحانه وتعالى قربُهم من رحمته وفضلِه لتوفرهم على طاعته تعالى: {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} بل يؤدونها حسبما أمروا به {وَيُسَبّحُونَهُ} أي ينزّهونه عن كل ما لا يليق بجناب كبريائه {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} أي يخُصّونه بغاية العبوديةِ والتذللِ لا يشركون به شيئًا وهو تعريضٌ بسائر المكلفين ولذلك شُرع السجود عند قراءته. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ}.
{إِنَّ الذين عِندَ رَبّكَ} وهم ملائكة الملأ الأعلى، فالمراد من العندية القرب من الله تعالى بالزلفى والرضا لا المكانية لتنزه الله تعالى عن ذلك، وقيل: المراد عند عرش ربك {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} بل يؤدونها حسبما أمروا به {وَيُسَبّحُونَهُ} أي ينزعونه عما لا يليق بحضرة كبريائه على أبلغ وجه {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} أي ويخصونه بغاية العبودية والتذلل لا يشركون به غيره جل شأنه، وهو تعريض بمن عداهم من المكلفين كما يدل عليه تقديم {لَهُ} وجازات يؤخذ من مجموع الكلام كما آثره العلامة الطيبي لأنه تعليل للسابق على معنى ائتوا بالعبادة على وجه الاخلاص كما أمرتم فإن لم تأتوا بها كذلك فإنا مغنون عنكم وعن عبادتكم ان لنا عبادًا مكرمين من شأنهم كذا وكذا فالتقديم على هذا للفاصلة، ولما في الآية من التعريض شرع السجود عند هذه الآية ارغامًا لمن أبى ممن عرض به.
قيل: وقد جاء الأمر بالسجدة لآية أمر فيها بالسجود امتثالًا للأمر، أو حكي فيها استنكاف الكفرة عنه مخالفة لهم، أو حكى فيها سجود نحو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تأسيا بهم، وهذا من القسم الثاني باعتبار التعريض أو من القسم الأخير باعتبار التصريح، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده لذلك كما روي ابن أبي شيبة عن ابن عمر «اللهم لك سجد سوادي وبك آمن فؤادي اللهم ارزقني علمًا ينفعني وعملًا يرفعني» وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن بالليل مرارًا «سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين» وجاء عنها أيضًا «ما من مسلم سجد لله تعالى سجدة إلا رفعه الله تعالى بها درجة أو حط عنه بها خطيئة أو جمعهما له كلتيهما» وأخرج مسلم وابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن ردم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار» واستدل بالآية على أن إخفاء الذكر أفضل، ويوافق ذلك ما أخرجه أحمد من قوله صلى الله عليه وسلم: «خير الذكر الخفي» وهي ناعية على جهلة زماننا من المتصوفة ما يفعلونه مما يستقبح شرعًا وعقلًا وعرفًا فإنا لله وإنا إليه راجعون. اهـ.